الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فائدة في حكم التوجه إلى أي جهة: إن فسرنا الآية بأنها تدل على تجويز التوجه إلى أي جهة أريد، فالآية منسوخة وإن فسرناها بأنها تدل على نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فالآية ناسخة، وإن فسرناها بسائر الوجوه فهي لا ناسخة ولا منسوخة. اهـ. .فائدة في اللام في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ المشرق والمغرب}: اللام في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ المشرق والمغرب} لام الاختصاص أي هو خالقهما ومالكهما، وهو كقوله: {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} [الرحمن: 17] وقوله: {بِرَبّ المشارق والمغارب} [المعارج: 40] و{رَبُّ المشرق والمغرب} [المزمل: 9] ثم أنه سبحانه أشار بذكرهما إلى ذكر من بينهما من المخلوقات، كما قال: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]. اهـ. .قال الألوسي: .قال ابن عاشور: لما جاء بوعيدهم ووعد المؤمنين عطف على ذلك تسلية المؤمنين على خروجهم من مكة ونكاية المشركين بفسخ ابتهاجهم بخروج المؤمنين منها وانفرادهم هم بمزية جوار الكعبة فبين أن الأرض كلها لله تعالى وأنها ما تفاضلت جهاتها إلا بكونها مظنة للتقرب إليه تعالى وتذكر نعمه وآياته العظيمة فإذا كانت وجهة الإنسان نحو مرضاة الله تعالى فأينما تولى فقد صادف رضى الله تعالى كانت وجهته الكفر والغرور والظلم فما يغني عنه العياذ بالمواضع المقدسة بل هو فيها دخيل لا يلبث أن يقلع منها قال تعالى: {وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون} [الأنفال: 34] وقال صلى الله عليه وسلم في بني إسرائيل: «نحن أحق بموسى منهم». فالمراد من {المشرق والمغرب} في الآية تعميم جهات الأرض لأنها تنقسم بالنسبة إلى مسير الشمس قسمين قسم يبتدئ من حيث تطلع الشمس وقسم ينتهي في حيث تغرب وهو تقسيم اعتباري كان مشهورًا عند المتقدمين لأنه المبني على المشاهدة مناسب لجميع الناس والتقسيم الذاتي للأرض هو تقسيمها إلى شمالي وجنوبي لأنه تقسيم ينبني على اختلاف آثار الحركة الأرضية. وقد قيل إن هذه الآية إذن للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يتوجه في الصلاة إلى أية جهة شاء، ولعل مراد هذا القائل أن الآية تشير إلى تلك المشروعية لأن الظاهر أن الآية نزلت قبيل نسخ استقبال بيت المقدس إذ الشأن توالى نزول الآيات وآية نسخ القبلة قريبة الموقع من هذه، والوجه أن يكُونَ مقصد الآية عامًا كما هو الشأن فتشمل الهجرة من مكة والانصراف عن استقبال الكعبة. وتقديم الظرف للاختصاص أي إن الأرض لله تعالى فقط لا لهم، فليس لهم حق في منع شيء منها عن عباد الله المخلصين. و{وجه الله} بمعنى الذات وهو حقيقة لغوية تقول: لوجه زيد أي ذاته كما تقدم عند قوله: {من أسلم وجهه لله} [البقرة: 112] وهو هنا كناية عن عمله فحيث أمرهم باستقبال بيت المقدس فرضاه منوط بالامتثال لذلك، وهو أيضًا كناية رمزية عن رضاه بهجرة المؤمنين في سبيل الدين لبلاد الحبشة ثم للمدينة ويؤيد كون الوجه بهذا المعنى قوله في التذييل: {إن الله واسع عليم} فقوله: {واسع} تذييل لمدلول {ولله المشرق والمغرب} والمراد سعة ملكه أو سعة تيسيره والمقصود عظمة الله، أنه لا جهة له وإنما الجهات التي يقصد منها رضى الله تفضل غيرها وهو عليم بمن يتوجه لقصد مرضاته، وقد فسرت هذه الآية بأنها المراد بها القبلة في الصلاة. اهـ. .قال الفخر: الوجه الثاني: أنه تعالى قال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} ولو كان الله تعالى جسمًا وله وجه جسماني لكان وجهه مختصًا بجانب معين وجهة معينة فما كان يصدق قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} فلما نص الله تعالى على ذلك علمنا أنه تعالى منزه عن الجسمية واحتج الخصم بالآية من وجهين، الأول: أن الآية تدل على ثبوت الوجه لله تعالى والوجه لا يحصل إلا من كان جسمًا. الثاني: أنه تعالى وصف نفسه بكونه واسعًا، والسعة من صفة الأجسام. والجواب عن الأول: أن الوجه وإن كان في أصل اللغة عبارة عن العضو المخصوص لكنا بينا أنا لو حملناه هاهنا على العضو لكذب قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} لأن الوجه لو كان محاذيًا للمشرق لاستحال في ذلك الزمان أن يكون محاذيًا للمغرب أيضًا، فإذن لابد فيه من التأويل وهو من وجوه. الأول: أن إضافة وجه الله كإضافة بيت الله وناقة الله، والمراد منها الإضافة بالخلق والإيجاد على سبيل التشريف، فقوله: {فَثَمَّ وَجْهُ الله} أي: فثم وجهه الذي وجهكم إليه لأن المشرق والمغرب له بوجهيهما، والمقصود من القبلة إنما يكون قبلة لنصبه تعالى إياها فأي وجه من وجوه العالم المضاف إليه بالخلق والإيجاد نصبه وعينه فهو قبلة. الثاني: أن يكون المراد من الوجه القصد والنية قال الشاعر: ونظيره قوله تعالى: {إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِى فَطَرَ السموات والأرض} [الأنعام: 79]. الثالث: أن يكون المراد منه فثم مرضاة الله، ونظيره قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} [الإنسان: 9] يعني لرضوان الله، وقوله: {كُلُّ شَيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] يعني ما كان لرضا الله، ووجه الاستعارة أن من أراد الذهاب إلى إنسان فإنه لا يزال يقرب من وجهه وقدامه، فكذلك من يطلب مرضاة أحد فإنه لا يزال يقرب من مرضاته، فلهذا سمي طلب الرضا بطلب وجهه. الرابع: أن الوجه صلة كقوله: {كُلُّ شَيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] ويقول الناس هذا وجه الأمر لا يريدون به شيئًا آخر غيره، إنما يريدون به أنه من هاهنا ينبغي أن يقصد هذا الأمر، واعلم أن هذا التفسير صحيح في اللغة إلا أن الكلام يبقى، فإنه يقال لهذا القائل: فما معنى قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ الله} مع أنه لا يجوز عليه المكان فلابد من تأويله بأن المراد: فثم قبلته التي يعبد بها، أو ثم رحمته ونعمته وطريق ثوابه والتماس مرضاته. والجواب عن الثاني: وهو أنه وصف نفسه بكونه واسعًا فلا شك أنه لا يمكن حمله على ظاهره وإلا لكان متجزئًا متبعضًا فيفتقر إلى الخالق، بل لابد وأن يحمل على السعة في القدرة والملك، أو على أنه واسع العطاء والرحمة، أو على أنه واسع الإنعام ببيان المصلحة للعبيد لكي يصلوا إلى رضوانه، ولعل هذا الوجه بالكلام أليق، ولا يجوز حمله على السعة في العلم، وإلا لكان ذكر العليم بعده تكرارًا، فأما قوله: {عَلِيمٌ} في هذا الموضع فكالتهديد ليكون المصلي على حذر من التفريط من حيث يتصور أنه تعالى يعلم ما يخفي وما يعلن، وما يخفى على الله من شيء، فيكون متحذرًا عن التساهل، ويحتمل أن يكون قوله تعالى: {واسع عَلِيمٌ} أنه تعالى واسع القدرة في توفية ثواب من يقوم بالصلاة على شرطها، وتوفية عقاب من يتكاسل عنها. اهـ. .فائدة في معنى ولى: ولى إذا أقبل، وولى إذا أدبر، وهو من الأضداد ومعناه هاهنا الإقبال، وقرأ الحسن: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ} بفتح التاء من التولي، يريد فأينما توجهوا القبلة. اهـ. .قال السعدي: .قال ابن الجوزى: والسعة في كلام العرب: الغنى. اهـ. .قال في روح البيان: .قال الخازن: وهي أن المسافر إذا كان في مفازة أو بلاد الشرك، واشتبهت عليه القبلة فإنه يجتهد في طلبها بنوع من الدلائل ويصلي إلى الجهة التي أدى إليها اجتهاده ولا إعادة عليه وإن لم يصادف القبلة فإن جهة الاجتهاد قبلته، وكذا الغريق في البحر إذا بقي على اللوح فإنه يصلي على حسب حاله، وتصح صلاته وكذلك المشدود على جذع بحيث لا يمكنه الاستقبال. اهـ. .قال ابن الجوزي: وقد ذهب قوم إلى نسخها، فقالوا: إنها لما نزلت؛ توجه رسول الله إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك بقوله: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144]. وهذا مروي عن ابن عباس. قال شيخنا علي بن عبيد الله: وليس في القرآن أمر خاص بالصلاة إلى بيت المقدس، وقوله: {فأينما تولوا فثم وجه الله} ليس صريحًا بالأمر بالتوجه إلى بيت المقدس، بل فيه ما يدل على أن الجهات كلها سواء في جواز التوجه إليها، فإذا ثبت هذا؛ دل على أنه وجب التوجه إلى بيت المقدس بالسنة، ثم نسخ بالقرآن. اهـ.
|